عداوة الغرب كامنة، وبادية وطافحة. وقد حذّرَنا ربنا تعالى منهم ومما في صدورهم، وكلما تقلبت الأحداث ثبت ما في الكتاب، ومع هذا ينخدع البعض ويأمل الخير فيهم، وهؤلاء لا يدرون سياسيا كما لا يدرون عقديا..

وهذا المقال يوضح كيف يفهم المسلم الضربة الأمريكية للنظام السوري من خلال الحقائق العقدية..

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

ما أسرع ما ننسى

فهنيئاً لمن تمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجعلهما مصدر هدايته ومنطلقا لموازينه وأحكامه ومواقفه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي»(1).

أقدم بهذه المقدمة للحديث عن الضربة الأمريكية لبعض المواقع السورية..

وأحمد الله عز وجل على العافية من هذه التخبطات والتحليلات التي شارك بها من شارك تعليقا على هذه الضربة والتي يتفق أغلبها على الرفع من شأن أمريكا ورئيسها الأحمق، العدوِ لله ورسوله والمسلمين.

وتبعهم في ذلك كثير من المسلمين المخدوعين؛ بما في ذلك من يزعمون أنهم المحنَّكون سياسيا وإعلاميا بينما هم من المخدوعين الذين استخفّهم إعلام الكفار والمنافقون، ونسوا تحذيرات ربنا عز وجل من عداوة الكافرين.

[للمزيد: القدس .. ونهاية القرن الأمريكي]

حقائق نفهم في ضوئها

وأود تحديد الموقف من هذه الضربة والذي أحسبه صوابا في الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى:

عداوتهم لنا استراتيجية وتاريخية

إن عداوة الغرب وأمريكا للمسلمين ـ ولا سيما أهل السنة منهم ـ عداوة استراتيجية؛ تستمد أصولها من العداوة التاريخية في الحروب الصليبية.

ولقد حذّرَنا ربنا في كتابه الكريم ـ وفي مواطن كثيرة ـ من عداوتهم والانخداع بهم، ولكن ما العمل مع من أعرض عن كتاب ربّه ولم يجعله منطلق أحكامه ومواقفه وموازينه؟!!

بل ماذا نعمل مع من نسي جرائم أمريكا القديمة والحديثة بمجرد ضربةٍ لها أهدافُها السياسية والمصلحية صرح بها ساسة  الأمريكان بقولهم:

“إن هدف الضربة حماية الأمن القومي لأمريكا وليست حربا لازالة الاسد”

تذكير بمواقف دالّة

إننا نقول لمن نسوا أو تناسوا هذه العداوة والحقد والإجرام من رأس الكفر أمريكا: أفيقوا أصلحكم الله ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون.. ونقول لهم:

  • أنسيتم جرائم أمريكا في أفغانستان والعراق، وكيف كانوا يدكّون البيوت على رؤوس أهلها وبجميع الأسلحة الفتاكة.
  • أنسيتم حرب أمريكا للفلوجة بالقنابل الفوسفورية التي تسلخ العظام عن اللحم..؟
  • أنسيتم معاملتهم الشنيعة في سجون «جوانتنامو» و«أبو غريب»، وإهانتهم لكتاب ربنا، وممارستهم الحيوانية مع المساجين المسلمين السنة..؟
  • أنسيتم دكَّها لمستشفى أفغانستان بما فيه من الأطباء والمرضى..؟
  • أنسيتم دكها لمسجد «الجينة» الذي قد امتلأ بالمصلين في ريف حلب الغربي منذ شهر أو أكثر خلَّف ستين قتيلاً من المصلين..؟
  • أنسيتم ما قامت به من إبادة جماعية للمسلمين السنة في «الموصل» مع من يؤازرها من التحالف الدولي تطايرت به الأشلاء من أجسام النساء والأطفال حتى بلغ القتلى 500 في ضربة واحدة، وذلك في غطاء جوي للحشد الرافضي، وحتى الآن وجثثُ الرجال والنساء والأطفال تحت الأنقاض هناك..؟
  • أنسيتم ما فعلته في «الرّقّة» وريفها و«أبو كمال» من قصف وتدمير وما نتج عن ذلك من حرق للأطفال والنساء والشيوخ..؟
  • أنسيتم تصريحات الأحمق «ترامب» في عداوته للمسلمين وقوله أن الإسلام نفسه دين متطرف..؟

هذه بعض الأمثلة التي هي غيض من فيض من جرائم أمريكا الصليبية.

[للمزيد عن حقيقة الموقف الأمريكي: فما لكم في الأمريكان الكفرة فئتين]

كيف ننسى؟!

كيف نسيتم هذا كله بمجرد ضربة رمزية لم تؤثر في نظام الأسد ولا في عتاده الحربي..؟ بل إن الضربة قد تمت بعد إبلاغ الروس وحلفاء أمريكا بها وقد فرغت المطارات من الطائرات الروسية والسورية العاملة وكذلك باقي المراكز التي تم ضربها..!

كيف نسي من يدّعي لنفسه أنه محلل سياسي أو منتمٍ للمعارضة السورية والائتلاف الوطني كل هذا وانبرى يثني على الأمريكان في هذه الضربة ويقول أنها لقنت النظام السوري والروسي ومجلس الأمن دروسا ورسائل في نصرة المظلوم..؟!

الحقيقة الثانية:

تناقض مضحك مبكي

أليس من المضحك بل من المبكي أن يندد العالم وتهبّ أمريكا وتهدد عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي في ضرب «الغوطة الشرقية» ـ وقبلها «خان شيخون» ـ بينما النظام السوري والروسي يقصفون في الليل والنهار مناطق السنة بالصواريخ المدمرة والبراميل المتفجرة، ويهدمون البيوت على رؤوس أهلها، وتتطاير أشلاء الأطفال والشيوخ والنساء، وتنتشل الجثث من تحت الأنقاض، والعالم يتفرج وأمريكا تتفرج؛ بل تشاركهم باسم التحالف الدولي في حرب مناطق السنة..!

ولم يسلم من هذه الجرائم لا المساجد ولا المستشفيات ولا المدارس والأسواق..

كل هذا والعالم يتفرج حتى إذا ضرب النظام السوري بالسلاح الكيميائي ندّد العالم وهدّد؟؟!!

ما الفرق بين السلاح الكيميائي والبراميل والصواريخ التي تبيد وتسحق المسلمين..؟

ما هذا الضحك والرقص على الأشلاء! متى أصبح السلاح الكيميائي محرما والقصف بالبراميل والقنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ المدمرة حلالا لا بأس على فاعليها..؟؟!

يا مسلمون.. أليس كلا من السلاحين محرق ومدمر؟ متى نفيق ونعرف أعداءنا ونَسْلم من خداعهم وترديد ما يقولون كالببغاء؛ السلاح الكيميائي محرم والقوة المفرطة لا تنبغي؛ أما السلاح الآخّر والقوة غير المفرطة فلا بأس بها وإن سحقت ودمرت جميع المسلمين.!!

الحقيقية الثالثة:

هل في هذا شفاء للصدور؟

قد يقول قائل إننا نعرف عداوة أمريكا والغرب الصليبي للمسلمين ولكننا نفرح بهذه الضربة لأن فيها شفاء للصدور..

وللاجابة على هذا الاعتراض أقول وبالله التوفيق:

لا شك أن المسلم يفرح بأي أذى يصيب عدوه الظالم ويكفه عن ظلمه، ولكن هل هذه الضربة جاءت لإغاثة المنكوبين والانتصار للمظلومين؟ إذن فأين هم عن هذا الانتصار وهم يرون الابادة الجماعية للشعب السوري منذ ست سنوات ولم يحركوا ساكنا بل هم شركاء في هذه الابادة.

إذن فما هدف هذه الضربة؟

الأهداف الحقيقة للضربة

لقد حدد هذه الأهداف الأمريكان أنفسهم وذلك فيما يلي:

الهدف الاول:

أمن إسرائيل

قولهم في تصريحاتهم أن هدف الضربة حماية المصالح الامريكية، والأمن القومي لأمريكا؛ ولا يُعرف في بلاد الشام وما حولها مايهدد أمن امريكا؛ الا ان يكون أمن اليهود في فلسطين والتأكد من عدم وجود السلاح الكيميائي الذي قد يصل الى أيدي المجاهدين فيهدد أمن اليهود.

والمتأمل في هذه الضربة أنها لم يكن لها الأثر الرادع للنظام النصيري؛ فالروس والسوريون كانوا قد أخذوا أهبتهم قبل وقوعها، فأخلوا المطارات من طياراتهم وكذلك المواقع الحساسة، وذلك بعد التهديدات الأمريكية التي سبقت الضربة بأسبوعين.

الهدف الثاني:

تحسين صورة الأحمق

تحسين صورة الرئيس الامريكي الأحمق بعد أن تدنست سمعته لدى الشعب الامريكي والعالم بأسره وانتشرت فضائحه الجنسية والخيانية.

الهدف الثالث:

تحسين صورة أمريكا

محاولة تحسين صورة أمريكا للعالم بعد أن ظهرت عداوتها للمسلمين، ومعاييرها المزدوجة، وفشلها في مشاريعها، ومحاولة إعادة هيبتها وأنّى لها ذلك.

الهدف الرابع:

فقاعة إعلامية وضربة رمزية

الضربة كلها رمزية، وفقاعة إعلامية. ولم يكن هدفها ضرب الأسد أو تغير مواقفها منه؛ بل لن يجد الأمريكان أفضل من «الأسد» لها ولليهود في فلسطين، وقد صرحت الادارة الامريكية بذلك عندما قالت أنها:

“لا تستهدف نظام الأسد وإنما هدفها ضرب السلاح الكيميائي”

[للمزيد: المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. وسُنة المدافعة]

عجَبٌ لا ينتهي

وإن الانسان ليعجب ممن يقول إن المواقف والموازين في الحرب السورية قد تغيرت بعد هذه الضربة وقد قلبت أمريكا ظهر المجن للأسد.

إن هذه السذاجة ليعجب منها المتأمل ولا سيما صدورها من بعض من يدّعون لأنفسهم الحنكة السياسية والتحليل الدقيق والنظرة الثاقبة.

قولوا لي بربكم؛ كيف يُعقل هذا القول وأمريكا هي الشريك الاكبر لنظام «الأسد» في تدمير سوريا وأهلها، لا سيما أهل السنة فيها..! وهي الشريك الأكبرفي تهجير أهل السنة من مناطقهم، وهي تبارك فعل الروس والحكومة السورية في هذا التهجير.

يا قوم متى نفيق ونعرف أهداف عدونا ومقاصدهم.

أسال الله عز وجل أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يرد كيد الكفار وأوليائهم في نحورهم، وأن يخالف بين كلمتهم، وأن ينصر المجاهدين عليهم ..

كما أسأله أن يبصّرنا في ديننا وفي واقعنا وحقيقة أعدائنا والحمد لله رب العالمين.

 …………………………………………….

هوامش:

  1. روي بألفاظ مختلفة منها ما رواه الحاكم «تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه» وهو [صحيح] أخرجه الحاكم في ((المستدرك))، والمروزيُّ في ((السُّنة)) (68)، والعُقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/250)، (318)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/449). وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (7/279)، وصحَّحه ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/250)، والألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (40).
    وأخرج مالك معناه بلاغًا في ((الموطأ)) (2/899). قال ابن عبد البَرِّ في ((التمهيد)) (24/331): محفوظٌ، معروفٌ، مشهورٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهل العِلم، شهرةً يكاد يُستغنَى بها عن الإسناد.

 اقرأ أيضا:

  1. فما لكم في الأمريكان الكفرة فئتين
  2. القدس .. ونهاية القرن الأمريكي
  3. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. المحور العسكري
  4. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية                                                                                                              

التعليقات غير متاحة