وضع الله سبحانه الأحكام الشرعية من الحلال والحرام التي تشمل جميع شؤون الإنسان ومجتمعه الخاصة والعامة، واتصفت هذه الأحكام من الثبات والشمول والحركة والتجدد.

المؤلف والتعريف به

المؤلف: الدكتور عابد بن محمد السفياني

مؤهلاته العلمية

  • درجة الماجستير في أطروحته بعنوان: “دار الإسلام ودار الكفر وأصل العلاقة بينهما .
  • درجة الدكتوراه في أطروحته بعنوان: “الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية”.
  • أعماله ومناصبه :
  • عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى سابقًا
  • وعضو مجلس الشورى .

مؤلفاته

  • الإسلام يعلو ولا يعلى.. دراسة تأصيلية تطبيقية .
  • حكم الزنا في القانون وعلاقته بمبادئ حقوق الإنسان في الغرب .
  • موقف أهل السنة والجماعة من المصطلحات الحادثة ودلالاتها .
  • المحكمات وأثرها في وحدة الأمة وحفظ المجتمع”، وغير ذلك من البحوث العلمية .
  • التعريف بالكتاب

التعريف بالكتاب

أصل هذا الكتاب: رسالة دكتوراه في الشريعة الإسلامية فرع الفقه والأصول قدمت لكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة 1407 هـ ومنحت الدرجة العلمية بتقدير ممتاز.

الناشر: مكتبة المنارة، مكة المكرمة ـ المملكة العربية السعودية

الطبعة: الأولى، 1408 هـ – 1988 م

حجم الكتاب: جزء واحد، وعدد صفحاته 602.

قضية الكتاب وموضوعه

يبيّن هذا الكتاب قضية من أهم قضايا الإسلام الكبرى وهي استقلالية التشريع الرباني، ومحاربة الإسلام للبدع والمناهج الضالة، وحرر مفهوم ثبات الشريعة الإسلامية وشمولها، وعالج (تضعيف الأدلة الشرعية) مع دراسة تحليلية لأفكار الفرق، كما درس قضية شمول الشريعة من خلال دراسة (العموم) و(المصالح) و(الأقيسة)، وأثرها في استمرار الاجتهاد ومتابعة المستجدات.
كما بين أهمية الإجماع ودوره، وناقش بالتفصيل تغيّر الفتوى بتغيّر الأحوال، وقد بين شروط العمل بالمصلحة مؤكداً على ثبات الشريعة الإسلامية؛ بحيث يبقى المجتمع الإسلامي ثابتاً مع أحكام الشريعة، محققاً hلحركة حول محور ثابت، مع متابعة المستجدات والتفاعل مع المتغيرات.

إن الإنسان محتاج إلى مبادئ ثابتة تطمئن إليها نفسه، ذلك لأنه مخلوق مفطور على التوحيد الذي هو دين الرسل جميعا، وهو الحق الثابت الذي لا يتغير، وهذه الفطرة السوية تكسب النفس الإنسانية ثباتاً في القيم والمفاهيم والمبادئ وعن طريق ذلك يعمر الإنسان الأرض ويقوم بمهمة الخلافة، وهو يشعر بتكريم الله له، حيث أنزل له الوحي وضمنه جواباً عن كل مسألة تحتاج إلى جواب.

ومن رحمة الله سبحانه أن قوى صلاح الفطرة بتلك الضوابط والتوجيهات وإن هذه الضوابط هي الأحكام الشرعية من الحلال والحرام التي تشمل جميع شئون الإنسان ومجتمعه الخاصة والعامة.

يشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد وبابين:

ويحتوي الكتاب على المقدمة والتي تضمنت تمهيدا في أهم خصائص الشريعة الإسلامية بوجه عام.

والباب الأول تناول الشريعة الإسلامية ثباتها وشمولها وحجيتها والذي تضمن:

الفصل الأول: الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي.

والفصل الثاني: المقصود من الثبات والشمول والأدلة على ذلك.

والفصل الثالث تناول الاحتجاج بالأدلة النقلية.

كما تناول الباب الثاني الاجتهاد وأهم طرقه، وقضية الثبات والشمول والذي تضمن:

الفصل الأول: الاجتهاد وقضية الثبات والشمول.

والفصل الثاني العموم وقضية الثبات والشمول.

والفصل الثالث: القياس وقضية الثبات والشمول.

والفصل الرابع تناول المصلحة وقضية الثبات والشمول.

والفصل الخامس: مواطن الإجماع ومواطن الخلاف وقضية الثبات والشمول.

ثم الخاتمة. ثم المراجع والمصادر تأتي في نهاية الكتاب.

المقدمة

الإنسان محتاج إلى مبادئ ثابتة تطمئن اليها نفسه، ذلك لأنه مفطور على “التوحيد”، الذي هو دين الرسل جميعاً، وهو الحق الثابت الذي لا يتغير.

وضع الله لبني آدم ضوابط خيّرهم الله بين اتباع سبيل الرشد، أو الانحراف عنه فمنهم من ثبت على فطرته السوية والتزم الهدي الرباني، ومنهم من تحول عنها فانفلت من تلك الضوابط واستجاب للانحراف.

ووضَع الأحكام الشرعية من الحلال والحرام التي تشمل جميع شؤون الإنسان ومجتمعه الخاصة والعامة، واتصفت هذه الأحكام  ـ متناسقة مع الكون والإنسان ـ من الثبات والشمول والحركة والتجدد والعطاء.

ولقد حققت الأجيال الأولى من البشرية ـ على مدى عشرة قرون ـ هذه الصورة الشرعية بما فيها من ثبات وشمول وحركة وتجدد بالمستوى الذي كانت تعيشه في تلك الفترة. والمجتمعات الرعوية، أو الزراعية، أو الصناعية تحتاج إلى هذه الصورة الشرعية، وكل يعيش بها حسب ما آتاه الله من قوة.

ثم طرأ على البشرية حالة غير سوية فأعرضت عن الهدي الرباني وخرجت عن ضوابطه، فاجتالتها الشياطين وأفسدت فطرتها.

ولقد حرص أعداء البشرية ـ الشيطان وجنده ـ على تعميق هذا الانحراف، واستعملوا من الأسلحة أخطرها، فكان ذلك السلاح هو “التبديل”؛ تبديل المفاهيم والقيم، وتلبيس الحق على الناس واستحداث صورة جديدة للمفاهيم والقيم والأحكام، وتغييرها في كل عصر ومكان وتزيينها للناس، والحيلولة بينهم وبين الهدي الرباني.

وبدأ الصراع بين فريقين:

الأول: الأنبياء والرسل وأتباعهم من المصلحين

ومهمتهم المحافظة على الفطرة السوية ـ وهي التوحيد ـ وإبعاد الشبهات عنها وتربية الناس على أحكامه، حرصاً على الاستقامة والثبات عليها، ومن ثم بناء حركة شاملة متجددة مع التزام للمنهج الرباني بشموله.

الثاني: الشيطان وأتباعه من المفسدين.

ومهمتهم إفساد الفطرة ونشر الشرك وأحكامه، حرصاً منهم على إفساد الأرض بتشريعات غريبة عن طبيعة الفطرة، يضعونها بأنفسهم، ويطلقون الإنسان مع رغباته وأهوائه بلا ضوابط شرعية، ويمدونه بأحكام متغيرة متبدلة لا تعرف ثباتاً ولا شمولاً، ولا تحفظ الفطرة الإِنسانية من الفساد، لأنها موضوعة على مخالفة مقصد الشارع وهو الله سبحانه.

ثم تحدث عن أساليب الفريق الثاني في تشكيك الناس في دينهم وشريعتهم.

التمهيد

تحدث عن أهم خصائص الشريعة الإِسلامية بوجه عام.

وأن الشريعة الإسلامية تميزت بخصائص وسمات عن جميع القوانين البشرية التي تضعها طائفة من البشر أو يضعها الزعيم أو المفكر، وهذه الخصائص كثيرة منها الخاصية الأساسية وهي عموم الرسالة للإنس والجن وختمها الشرائع.

من خصائص الشريعة المباركة

  1. أن هذه الشريعة هي شريعة الله أنزلها سبحانه بعلمه وليس له في وضعها شريك ولا ظهير.
  2. أنها ثابتة ما دامت الحياة الدنيا.
  3. أنها شاملة لجميع ما يحتاجه الناس من عقائد وشرائع وأحكام.
  4. أنها متوازنة لا اضطراب فيها ولا عوج.
  5. أنها تتميز عن شرائع البشر بكونها شريعة نُزّلت لتحمل الناس على الخير وتحكم لهم واقعهم البشري الذي يعيشونه حسب اختلاف مجتمعاتهم.

ثم تحدث عن موضوع هذا التمهيد؛ أن التشريع والأمر والنهي حق الله الخالص لا يشاركه فيه أحد، وذلك من خلال بعض الآيات القرآنية ونصوص أهل العلم من الفقهاء والأصوليين، وأن حق النسخ وهو “التبديل والتغيير” إنما هو لمن له حق “الإِنشاء” وهو الله سبحانه وتعالى، وإذا تقرر ذلك لزم عنه عزل أهل السماء والأرض عن ذلك كله، وسلمت للناس هذه الشريعة شاملة ثابتة بلا تحريف ولا تبديل.

الباب الأول: الشريعة الإِسلامية ثباتها وشمولها وحجيتها

ويشتمل على هذه الفصول:

الفصل الأول: الشريعة الإِسلامية والفقه الإِسلامي.

الفصل الثاني: المقصود من الثبات والشمول والأدلة على ذلك.

الفصل الثالث: الاحتجاج بالأدلّة النقلية.

الفصل الأول: الشريعة الإِسلامية والفقه الإِسلامي

تحدث في هذا الفصل عن تحديد المقصود من مصطلح “الشريعة” والتعرف على معناه الشرعي وتبين وجه المناسبة بينه وبين المعنى اللغوي من حيث الثبات والشمول، ويشتمل ذلك على معرفة دلالة هذا اللفظ في الاستعمال القرآني وفي استعمال العلماء بحيث نستطيع أن نتصور ما يدخل تحت مصطلح “الشريعة”.

وفي المقابل يتحدث عن الفقه الإِسلامي للتعرف على حقيقته ومنزلته والفرق بينه وبين “علم الكلام” من حيث قوة دلالتهما على “العلم” وحاجة المجتمع الإِسلامي لهما وهو يقوم بمهمة الخلافة في الأرض، وأيهما أحق باسم العلم وأقرب إلى طبيعة الشريعة التي أنزلها الله على رسوله محمد، عليه السلام.

ومن جهة أخرى يبين أهم الفوارق بين “الفقه” و”الشريعة” لتصوُر مهمة الاجتهاد وحدوده وآثاره الإِيجابية والسلبية على “الثبات” و”الشمول”.

الفصل الثاني: المقصود من الثبات والشمول والأدلة على ذلك

إن جيل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ قد أدرك صفات هذه الشريعة وآمن بها إيماناً لم يبلغ قمته جيل آخر من أجيال المسلمين، ويرجع ذلك إلى أنهم أوفر الأجيال حظاً في العربية والقدوة، فقد انطلقت دعوة التوحيد على لسان الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو القرآن معرِّفاً الناس بربهم الواحد سبحانه، وأنزل الله سبحانه في هذا القرآن أكثر من الثلثين من آياته كلها تتحدث عن التوحيد، وأخذ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في تبليغ هذه الدعوة على تلك الطريقة الربانية والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أشد ما يكونون تأثراً بها واستجابة لها.

وقد استطاع منهج التربية القرآنية أن يعرّف الناس بصفات الله على هذا النحو حتى أخرج خير أمة للناس تتمثل في الجيل الأول ومن تبعه بإحسان، فأدرك الناس هذه المعاني وشهدوها بعقولهم وأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم فاستسلموا لكل ما يجيء من عند الله، معْرضين عما سواه، مطمئنين لمظاهر الإِعجاز في هذه الشريعة، والثبات والشمول لكل ما يحتاجونه لإِقامة الخلافة على الأرض.

وقد آمنت قلويهم بهذه الحقيقة وأعرضوا عما سواه ـ أمام الحديث المستمر الذي حققه منهج التربية القرآني ـ قبل أن تنزل تلك الأحكام التفصيلية، فلما نزلت ازدادوا إيماناً مع إيمانهم، فأقاموا الخلافة في هذه الأرض تحكمها هذه الشريعة المعجزة المبدعة وسط هذا الملكوت المعجز المبدع، وشعار ذلك الإِعجاز” “الإِبداع” والشمول” و”الثبات”.

ولقد استمر المجتمع الإِسلامي في أداء مهمته ومتابعة الجيل الأول وإنْ لم يبلِغ مبلغه. وما زالت الأهواء يحرسها الشيطان ويربي لها أتباعه فهي تَكْمُن حيناً وتظهر حيناً آخر لعلها تجعل الانحراف أصلاً وخاصة بعد أن جاءت ثقافات الأمم الجاهلية المتمثلة في المذاهب الفكرية المعاصرة تنادي بتغيير الدين وتبديله وتدعوا للتلقي من روافد خارجية عن الإِسلام ـ تتمثل في المذاهب المعاصرة وأنظمتها الوضعية ـ التي يُطلق عليها “الغزو الفكري” فجاء الغزو الحديث يريد أن يسعى لتغيير المفاهيم والأحكام كما سعى من قبل الغزو القديم فغيَّر منهج التلقي عند أتباعه في قاعدة هي عمدة المنهج القرآني في التربية ألا وهي تذْكِير الناس بصفات الله سبحانه وصفات شريعته.

ثم الحديث عن معنى الثبات والشمول في الشريعة، وتجلية موقف السلف من المفسرين والفقهاء والأصوليين من خلال دراسة بعض الآيات القرآنية والقواعد المقررة من الشريعة.

الفصل الثالث: الاحتجاج بالأدلّة النقلية

وفيه يتحدث عن ما نقصد بـ “الأدلة النقلية”؛ “نصوص الكتاب والسنة”. ويشمل ذلك السنة المتواترة والآحادية. وقد علمنا صحة إطلاق مصطلح الشريعة عليها.

ونقصد بالآحاد “ما صح سندُه، وسلِم من الشذوذ والعلة”.

ونقصد بالاحتجاج بها أي قيام الحجة بها على الخلق على الإطلاق والعموم في العقيدة والشريعة؛ بحيث تثبت بها الأحكام ابتداء أو تخصيصاً ويزاد بالسنة على ما في القرآن.

وينقسم الى مبحثين:

المبحث الأول: من هذا الفصل يبين فيه موقف المقوّين للأدلة. ثم أتبعه بالمبحث الثاني وفيه عرض موقف المضعّفين لها.

الباب الثاني: الاجتهاد وأهم طرقه وقضيّة الثبات والشمول

ويشتمل على هذه الفصول:

الفصل الأول: الاجتهاد وقضية الثبات والشمول.

الفصل الثاني: العموم وقضية الثبات والشمول.

الفصل الثالث: القياس وقضية الثبات والشمول.

الفصل الرابع: المصلحة وقضية الثبات والشمول.

الفصل الخامس: الإِجماع وقضية الثبات والشمول.

الفصل الأول: الاجتهاد وقضية الثبات والشمول

يتحدث في هذا الفصل عن حكم الاجتهاد وحكمته، وأنواعه وأهم شروطه، وضوابطه، وأثر ذلك على الثبات والشمول سلباً وإيجاباً.

ويكون ذلك حسب الترتيب الشرعي ـ وقد ذكره ـ وسبب هذا الترتيب أننا لا نستطيع أن ندرك ذلك الأثر إلا بعد أن نتصور الاجتهاد وندرك حكمه وحكمته، ثم إن معرفة أنواعه وأهم شروطه وضوابطه تزيد من تصورنا لحقيقته ولمراد الشارع منا، وكيف ينبغي لنا أن نؤدي مهمتنا التي كُلفنا بها لكي يتحقق لنا الالتزام بهذه الشريعة دون أن نغيّر أحكامها أو نبدّلها، وفي الوقت نفسه ننعم بشمولها وسعتها في غير ضيق ولا حرج، ونخرج عن الأطراف المذمومة التي سلم منها الجيل القدوة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة السلف، رضوان الله عليهم.

الفصل الثاني: العموم وقضية الثبات والشمول

يأتي هذا الفصل بعد أن تحدث عن الاجتهاد وحكمه وحكمته وكيف يستطيع الناظر أن يتحقق من الملَكة ليستنبط بعد ذلك الأحكام من هذه الشريعة الربانية، وفي هذا الفصل بيان لحقيقة العمومات الواردة فيها وكيفية إفادتها الشمول؛ ليتمكن المجتهد من البناء عليها وتعميم حكم النص على جميع ما يشمله، ويدرك منزلة العمومات الشرعية، لتقوِّي عنده قاعدة الشمول وتستقر قاعدة الثبات، وبهذا يتحقق الإِعجاز التشريعي الذي يتسق مع الإِعجاز الكوني.

ويضم هذا الفصل من المباحث ما يبين ذلك.

الفصل الثالث: القياس وقضية الثبات والشمول

المقصود من هذا الفصل بيان أثر العمل بالقياس على إدراك ثبات الشريعة وشمولها، وقد أشار قبلها الى أن المجتهد إما أن يدرك العموم اللفظي فيستفيد منه قوة في الدلالة على شموله لأفراد لا يمكن أن تُحصر، أو يدرك العموم المعنوي فيستفيد منه الحكم على جزئيات غير متناهية بقدْر ما يعمل هذه العمومات ويرجع إليها دائماً.

وأن القياس مختلَفٌ في العمل به بين فقهاء الأمة فهم ما بين معتدل في العمل به، أو صاحب إفراط أو تفريط فيه.

“ولكي ندرك كيفية دلالته على الثبات والشمول لا بد من أن نبين حجيته، ونساعد من جهة أخرى في تجلية بعض الشبه الواردة عليه، ولذلك سنحاول أن نجدد في طريقة إثبات القياس على منكريه، ونختار لهذا السبيل دراسة طريقة ابن القيم والشاطبي، وفيها من سهولة الأسلوب وقوة الحجة والاعتدال بين المتوسعين في القياس والصادّين عنه ما يجعلها جديرة بهذا الموضع دون غيرها من الطرق التي سلكها القياسيون، إضافة إلى أن هذه الأخيرة مُسْتَوْعَبة في كتب الباحثين”.

الفصل الرابع: المصلحة وقضية الثبات والشمول

تقرر فيما سبق أن الشريعة جاءت لتعْطي كل حادثة وواقعة حكماً، فهي موضوعة على نحو يحقق هذه الغاية وهذا هو الإِعجاز التشريعي، الذي لا ينقطع أبداً.

وأبرز مظاهر هذا الإِعجاز هي العموم سواء كان العموم اللفظي أو العموم المعنوي، ويدخل تحت كل منهما من الحوادث ما لا حصر له إلى يوم القيامة. وإذا لم تدخل الواقعة تحت العموميين اللفظي أو المعنوي دخلت تحت القياس الشرعي، ذلك أن النص المعجز مشتمل على معنى مناسب يصلح أن يحمل عليه غيره، إما عن طريق “القياس الشرعي” الذي هو مساواة فرع لأصله في علة الحكم، وإما عن طريق اتباع “المصالح المرسلة” التي شهد الشرع لنوعها أو لجنسها، سواء بالاستناد إلى أصل معين أو أصل كلي.

ثم قدّم لصلة المصلحة بالشمول والثبات بأمرين مهمين:

  • الأمر الأول: بيان تعريف المصلحة والتأكيد على الضوابط الشرعية فيه.
  • الأمر الثاني: بيان أن العقل لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد.

ثم بين كيفية تحقق “الشمول” من العمل بالمصلحة الشرعية، ووضع لذلك بعض التطبيقات، لكي يتصور القارئ أن هناك وقائع لم يكن لتدخل تحت العموم ولا القياس العادي فدخلت تحت “المصلحة الشرعية”.

ثم بين كيفية تحقق “الثبات” مع القول باتباع المصلحة الشرعية، ويناقش الآراء المخالفة التي تذهب إلى تغيير الحكم ـ في المعاملات والنظام الاجتماعي ـ بتغيّر مصلحته.

الفصل الخامس: مواطن الإِجماع ومواطن الخلاف وقضية الثبات والشمول

إن المنهج الرباني المتمثل في هذه “الشريعة” قد أخرج خير أمة للناس، من أهم خصائصها “الإِيمان بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر..”

والأمر بالمعروف لا يكون إلّا بعد معرفته، وكذلك النهي عن المنكر، وقد يسّر الله سبحانه لهذه الأمة طريق التعرف على ذلك، وجعل فيها ربانيين يعْلَمُون الحق وبه يعدلون، وهؤلاء هم قادتها المجتهدون من أهل العلم والبصيرة في الدين، القائمون بالعدل في تربية الأمة وحملها على الحق، وبذْل الجهد للحيلولة بينها وبين الشرك والشك والشقاق والنفاق والبدع وسوء الأخلاق، وهؤلاء هم ورثة الأنبياء؛ اكتسبوا هذه الوراثة بعملهم وعلمهم، وقد وفقهم الله لذلك ـ وعلم منهم صحة الاعتقاد وسلامة النية وصدق المتابعة للرسول، صلى الله عليه وسلم، فجعل لهم عند الأمة مكانة طيبة ومنزلة عالية، فكان منهم أئمة الصحابة، وأئمة التابعين، وأئمة تابعي التابعين، ثم في كل جيل بعدهم أئمة هم محل القدوة، ومنهم تعرف الأمة حكم الله، حيث هم الأدلاء عليه، الذين يستنبطونه من المنهج الرباني، ويعرّفون الناس به، وهؤلاء الأئمة في كل جيل هم صفوته المختارة، وبهم يتم العقد والحل فيها، وهم أهل الاجتهاد، وبهم ينعقد الإِجماع.

وهذه التوطئة مع ما فيها من إيجاز تعرفنا بحقيقة “الإِجماع”، ومعناه اللغوي والشرعي..

وفي الاصطلاح الشرعي: “اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة محمد، صلى الله عليه وسلم، في عصر على أي أمر كان”.

وفيه دلالة على أنهم إن اتفقوا كان ذلك منهم إجماعًا، وإن اختلفوا لم يكن إجماعًا، وهم في الحالين هم تلك الصفوة المختارة، ولا غرابة في وقوع التفاوت بينهم في الفهم، لأنهم يعملون من واقع الأرض من خلال الجهد البشري الملتزم بمنهج الله، الموقن به والمحافظ عليه.

وجهد هؤلاء المجتهدين ـ سواء حالة اجتماعهم واتفاقهم أو حالة عدم اتفاقهم ـ هو خلاصة أفهامهم الشرعية التي تكوَّن منها الفقه الإِسلامي؛ فما اتفقوا عليه دخل في الإِجماع، وما سوى ذلك دخل في الاجتهادات المختلف فيها.

“وبهذا الاعتبار ندرس منزلة كل منهما ونتعرف على كيفية تحقق الثبات والشمول فيهما والله الموفق”.

الخاتمة

سجل فيها المؤلف أهم ما ورد فيه من نتائج وهي:

* ليس لأحد حق في التشريع، كما أنه ليس لأحد حق النسخ والتبديل والتغيير، فللَّه الخلق والأمر.

* أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، إنما يطاع بإذن الله فطاعته طاعة لله، لأنّ كلَّ ما جاء به إنما هو وحي أوحاه الله إليه، حكّمه على نفسه وبلَّغه لأمته.

* أن الشريعة هي “نصوص الكتاب والسنة”.

* الأدلة الشرعية حجة الله على الخلق على الإطلاق والعموم، تثبت بها أمور الدين ابتداء وتخصيصًا وتقييدًا.

* أن هذه هي عقيدة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، كما نقل العلماء الثقات الإِجماع على ذلك قبل نشوء الأهواء.

* أن القول بظنية الأدلة النقلية وتضعيفها بدعة من بدع المعتزلة.

* أن شبهة “المعارض العقلي” جهالة من جهالات المتكلمين لا يدعمها دليل شرعي ولا دليل عقلي.

* أن علم الكلام هو أساس هذه البدع وبسبب انتشاره وُزّعَ الفكر الفلسفي وأثّر أَثَرَهْ في الأصول، وحجَب الأدلة عن الاستدلال على أمور العقيدة وتعدَّى ذلك إلى تضعيفها عند الاستدلال بها على الأحكام الشرعية.

……………………………

لقراءة الكتاب كاملا:

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة